
عفت الثنيان رائدة تعليم البنات بالمملكة

كتبت: غدير عسيري
عندما نتحدث عن تاريخ ونشأة المملكة فإننا لانحصر بذلك التاريخ المواقف الحربية والعسكرية بل نستذكر الجزء الأهم الذي كان يقف خلف انجاز وقوة رجالات المملكة ف وراء كل رجل عظيم << امرأة
تاريخ المملكة عظيم ومهم مليء بالمواقف البطولية و حافل بالشخصيات البارزة التي استطاعت بأن تحدث التغيير في المملكة و عند ذكر البطولة فإنها لم تكن حصرا ً رجال السلطة و القيادة بل كان من النساء النصيب الأكبر منها , استطعن الكثير منهن حجز الصفوف الأولى من مقاعد تشريف و صناعة التحول , من بين نساء البطولة نجد أيقونة التعليم عفت الثنيان التي كان لها دوراً كبيراً وملموس في تعليم البنات بالمملكة
إن من غير المألوف أن يطلق على زوجة الملك في السعودية بالملكة لكن عفت هي أول من حظيت بهذا اللقب
من هي عفت ؟
هي عفت بنت محمد بن عبدالله بن ثنيان بن إبراهيم بن ثنيان بن سعود .. اسم لامع كمسيرتها , يعود نسبها إلى فرع الأمير ثنيان بن سعود بن محمد بن مقرن , غادر جدها الجزيرة العربية و انتهى به المطاف في اسطنبول حيث تزوج من سيدة شركسية تدعى تازروح هانم فأنجبت له محمد وأحمد و سليمان و جوهران , ثم تزوج محمد من السيدة آسيا هانم التي انجبت له عفت و زكي , ولدت الملكة عفت عام ١٩١٦م حيث كان جدها الأكبر عبدالله بن ثنيان حاكماً لنجد فترة وجود الأمير تركي بن عبدالله في مصر , أثناء وقوع الدولة السعودية الأولى في يد إبراهيم باشا عادت عفت مع عائلتها الى تركيا عندما ارسلهم محمد علي باشا , استضافها السلطان العثماني فالتحقت بالمدرسة التركية وواصلت تعليمها حتى حصلت على دبلوم معلمات
القدر الذي توجها ملكة
لم تكن تعلم عفت بأنها ستصبح ملكة صاحبة كلمك لكن القدر كان سيد الموقف , كانت عفت تعلم بأن أسرتها ذوو شأن في الجزيرة العربية بل و أنهم من أسيادها وملوكها فأرسلت للملك عبدالعزيز طيب الله ثراه رسالة تطلب فيها السماح لها بأداء فريضة الحج مع عمتها جوهران فوافق الملك عبدالعزيز وطلب من ابنه الأمير فيصل نائبه في الحجاز ووزير الخارجية آنذاك أن يحسن استقبالهما , حينما التقى الأمير فيصل بعفت أعجب بشخصيتها فقرر بعد مدة قصيرة من لقاءها الزواج منها , وصفت الملكة عفت زيارتها الأولى للسعودية باليوم الصعب لا سيما أنها لاتعلم ماهو مستقبل القرار , كانت لاتجيد التحدث بالعربية ولاتعرف كيف تتعايش مع وضع جديد لم تعلم عنه شيء من قبل , كانت اللغة العربية معضلتها الأساسية منذ أن وطئت قدماها على أرض المملكة حيث قالت بأنها تستذكر أول سؤال وجهه لها الأمير فيصل إذ قال لها إن كانت رحلتها من تركيا إلى السعودية متعبه فلم تفهمه فعاد وسألها مرة أخرى و أيضاً لم تفهمه هنا أدرك الأمير بانها حقاً لاتجيد العربية وطلبت منه وقتها في تعلم اللغة وسرعان مالُبي طلبها فتعلمت العربية و اللهجة السعودية في فترة قصيرة , ومن خلال زيارتها لموطن أجدادها تعرفت على الثقافة السعودية و المبادىء و القيم والعادات و التقاليد الأصيلة
مسيرة رسم مستقبل المملكة
منذ وصول الملكة عفت إلى أرض المملكة طلبت تفقد أحوال النساء و الشعب إندهشت قائلة : لم أرى شاب أو شابة متعلم/ة فأين مدارس التعليم؟
فقد كان النساء في ذلك الوقت ممنوعات من التعليم بل وكن يتزوجن صغاراً و لأن الملكة كانت متعلمة أدركت تماماً أن التعليم من أساس بناء ونهضة المجتمع و يجب أن يكون للمرأة دور بارز و فعال في البناء , ومن ملامح حرصها على معرفة أحوال الشعب كانت تقيم مجلساً للنساء لتستمع إلى شكواهن و اقتراحاتهن ولترى ماذا ينقص هذا المجتمع
كان هدفها أن تبني مجتمع جديد يتوشح بالعلم ويرفع راية المعرفة ، لم يكن الملك فيصل كبقية الرجال كان رجل عظيم لم يدفن أحلام وطموح زوجته بل وقف بجانبها وساعدها للوصول إلى ماتريد , اتخذت الملكة مواقف تصب في صالح خدمة المرأة حيث لم تبخل لأي إمرأه بمساعدتها بل كانت تمد لهن يد العون , حاولت الملكة في البداية أن تغير واقع حياة المرأة حيث كان هدفها إخراجها من سجن العادات والتقاليد البالية التي حرمتها لعقود من ممارسة حقها في التعليم ، حيث كانت القبيلة في ذلك الوقت بمثابة السجن المؤبد للنساء حيث كانت المرأة تُحرم من عيش حياتها كما تريد بل كانت تدفن في مقبرة المسؤولية و الزواج من عمر مبكر , لذلك واجهت الملكة صعوبة بالغة في إحداث التغيير خصوصاً ان المجتمع السعودي كان منغلق لايتقبل كل ماهو جديد
تقول الملكة بأنها شعرت بالحزن عندما شاهدت الفتيات يتزوجن في سن صغير و يقومون بأعمال لاتناسب أعمارهن ومن هنا كانت الإنطلاقه لرسم مستقبل آمن لهن , وكانت عفت تبحث عن طريقة لكي تحول حياتهم للأفضل و تحلم بأن يكون لهن مستقبل ناجح , فتحت الملكة موضوع التعليم مع الملك فيصل وكانت تخشى بأن لا يتقبل الفكرة ولكنها دهشت من ردة فعله إذ رحب بالفكرة وشجعها على الإستمرار في سبيل بناء مستقبل واعد
الخطوة الأولى من بناء المستقبل هو إفتتاح قسم البنات بمدرسة الطائف لكن المفاجأه ان القسم لم يلاقي نجاحاً اذ رفض الاهالي إرسال بناتهن وتم إغلاق القسم لكن المحاولة مستمرة
بعد ذلك تحقق حلمها حيث نجحت في إنشاء مدرسة دار الحنان عام ١٩٥٥م وقد وجدت في البداية صعوبة في جلب المعلمات الى المملكة ولكن الصعوبة لم تقتصر على المعلمات فقط بل في وضع المناهج الدراسية الملأئمة لكن بفضل دعم زوجها استطاعت التغلب على تلك الصعوبات , تردد الأهالي بإرسال بناتهن الى المدرسة فحرصت عفت على إرسال بناتها للمدرسة حتى يتشجع باقي الاسر
لم يكن حرصها مقتصر على المدارس بل حرصت على افتتاح الجمعيات الخيرية و الإجتماعية مثل جميعة نادي فتيات الجزيرة الثقافي و التي تحولت بعد ذلك الى جمعية النهضة
مواجهة المجتمع للملكة عفت
بعد فترة قصيرة من قرار السماح بتعليم المرأة أعلنت الملكة عفت من منبرها فتح المجال لنساء السعودية بالتعليم و حقهن الكامل لإختيار مسار مستقبلهن لدرجة انها فتحت في قصرها مدرسة للبنات كانت تديرها بنفسها و تشرف على كل مدرسة في المملكة و حرصت على نشر العلم ساعية بتطوير السعودية لبلد متعلم و مثقف , واجهت الملكة انتقادات من بعض رجال الدين و المتشددين حيث وصفوا دخول الفتيات للمدارس ببداية المنكر والفساد و أن ليس من الضروري دخول البنات للمدارس فمكانهن هو المنزل فقط وهذا ماتعود عليه المجتمع و التغيير سيفتح باب لمشاكل كثيرة , لكن واثق الخطى يمشي ملكاً لم تصغي عفت للإنتقادات وشجعت الاهالي بالسماح لبناتهم بالتعليم و منحهن فرصة لإثبات مكانتهن , وكان ردها لكل من وقف ضد قرارات التغيير (( أحب أن اذكركم بأن زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم كان لهن دور كبير في المجتمع و الصحابيات كذلك )) اكتفي بهذا.
تخطت الملكة الصعاب و العقبات وواصلت مسيرتها في التغيير ففتحت المزيد من المدارس و المراكز وزاد عدد الطالبات يوماً بعد يوم فلمس الشعب التغيير الإيجابي الذي طرىء على المجتمع فأصبع مجتمع مثقف برجاله ونساءه .
حياتها مع أبنائها
لم يبعدها إهتمامها بمشكلات النساء عن الإهتمام بأفراد اسرتها فاعتنت عناية كبيرة بتربية أبنائها و أبناء زوجها ذكوراً و إناثاً مركزة على غرس روح التواضع وحسن التعامل وطلب العلم في نفوسهم فقد أحضرت مدرسين خصوصيين لتدريسهم اللغة العربية و وعلوم الدين كما حرصت بأن يتحصلوا من خلال المدرسين على اللغة الانجليزية و التركية فتميز أبنائها بالتواضع و الشجاعة و الوفاء فاهتمت الملكة بزرع الصفات النبيلة فيهم فلم تهتم بالمظاهر ومنعتهم من التعالي وغرست فيهم الشجاعة وقول الحق مهما كانت الحقيقة مؤلمة , وكان الملك فيصل حريص على ان يتعلم جميع ابنائه اصول الحياة من زوجته الملكة عفت لقناعته التامة بأنها رمز للأخلاق و الصفات الجميلة
استشهاد الملك فيصل و العودة لنقطة البداية
الأمور لاتسير كما ينبغي للإنسان فاللقدر كلمته مهما طال بنا الزمن فقد استشهد الملك فيصل عام 1975م مما سبب لعفت ألماً وحزناً شديداً مما أثر على صحتها وحالتها الإجتماعية حيث اختفت عن الظهور لفترة طويلة بل و انتقلت لمسقط رأسها تركيا , و بعد فتره ظهرت لتقول :"ما حدث للملك فيصل دليل على شجاعته و قوته .. تعلمت منه القوه و الاصرار .. تعلمت منه الحب و الوفاء .. تعلمت منه الشجاعه و الحق .. و كل تلك الصفات حاولت جاهده ان اغرسها في ابنائي و ابناء الشعب السعودي
توفيت عفت عام الفين .. بعد عملية جراحية لم تتحمل صحتها قوه العمليه ... عن عمر يناهز الخامسة والثمانين .. ماتت و لكنها ما زالت تعيش في قلب كل امراه سعوديه. . انها ملكه عاشت لخدمه وطنها بكل ماتملك .. ففتحت التعليم للجميع
و فتحت المجال لنساء السعودية لتحقيق احلامهم و طموحهم