
" نحنُ لَسنا دُعاة حَرب، ولكن إذا قرعَت طبولها فنحن جاهزون لها"
سعود الفيصل .. رجلٌ للتاريخ

كتبت : جمانة الحربي
يُغيّبهم المَوت ويُخلّدهم التاريخ! إنه أسلوب الكِبار في المُغادرة، يظلّون وِسامًا على صَدر الوطن، يرسَخون صوتًا وصورةً في ذاكرة كل مُواطن، يُغادرون الأرض ولكنهم لا يُغادرون أرواحنا.
أربعون عامًا وزيرًا لخارجية المملكة العربية السعودية، جعلَت منه شاهدا على الأزمات التي عاشتها المنطقة، ومُشاركا أساسيا في تحقيق قليلا من السلم والاستقرار. إنه سعود الفيصل، الرجل الذي أجمع الكتاب على تسميته بعَميد الدبلوماسية العالمية العربية.
مولده ونشأته
وُلد سعود الفيصل في الطائف ١/٢/١٩٤٠م؛ ليكون الابن الرابع للملك فيصل-رحمه الله- والثاني لزوجته الملكة عفّت بنت محمد الثنيان آل سعود، الوحيدة من بين زوجات ملوك السعودية التي أطلق عليها لقب صاحبة الجلالة الملكة. له ثلاثة من الإخوة الأشقاء وأربع شقيقات، محمد، عبد الرحمن، بندر، تركي، سارة، لطيفة، لولوة، وهيفاء الفيصل، نشأ معهم ووالده ووالدته في قصر الكاتب بحي السلامة في الطائف، في الفترة التي كان فيها الملك فيصل نائبًا في الحجاز بعهد الملك عبد العزيز.
تعليمه
تلقّى تعليمه الابتدائي والثانوي والمتوسط بمدرسة الطائف النموذجية، كما درس لاحقا في مدرسة هون وبرينستون. تخرّج من جامعة برنستون بولاية نيوجيرسي الأمريكية عام ١٩٦٤م حاصلًا على درجة البكالوريوس في الاقتصاد.
ما قبل المنصب
عاد إلى أراضي الوطن شابًا حاملا الشهادة؛ ليعمل مستشارًا اقتصاديا بوزارة البترول والثروة المعدنية وعضوًا في لجنة التنسيق العُليا التابعة لها، ثم انتقل إلى المؤسسة العامة للبترول والمعادن (بترومين) ليُصبح مسؤولا عن مكتب العلاقات البترولية، لاحقا تم تعيينه نائبا لمُحافظ بترومين لشؤون التخطيط، ثم وكيلا لوزارة البترول والثروة المعدنية حتى عام ١٩٧٤م؛ إذ انتقل إلى وزارة الخارجية حيث عمل إلى جانب عمر السقاف وزير الدولة للشؤون الخارجية آنذاك، وبوفاته انتقل المنصب إليه.
وزيرًا للخارجية
عُيّن وزيرا للخارجية في عهد الملك خالد عام ١٩٧٥م، وذلك بعد شُغور المنصب بوفاة والده، ومن هنا بدأت القصة، تلك القصة التي مثّلَت حُقبة تاريخية صنعها ذلك الرجل، أربعون عامًا وهو عمود من أعمدة المملكة، عاصر فيها عهد ثلاثة ملوك هم خالد وفهد وعبد الله وسلمان، يُسافر هنا وهناك، حاملًا معه رؤية المملكة ورسالتها، هَم الأمة العربية وقَضاياها، مُدافعا ومُناصرا ومُناشدا. تعرّض العالم والشرق الأوسط –تحديدا- في تلك الفترة للعديد من الأحداث المهمة والجَسيمة، بدءًا من اندلاع الثورة الإيرانية، وغَزو الاتحاد السوفيتي لأفغانستان، والحَرب العراقية الإيرانية، والحرب الأهلية اللبنانية، مُرورًا بالغزو العراقي للكويت، وأحداث الحادي عشر من سبتمبر، وغَزو أمريكا للعراق، وانتهاءً بأحداث الربيع العربي. كل تلك الأحداث كانت كفيلة بأن تُشكل حُقبة تاريخية صنعها وعاصرها ذلك الرجل، الذي لم يلبث ساكنا بل كانت له جُهود ومُساهمات جبارة للوصول إلى حلول ومُعاهدات سلام، كتوصّله لما يُعرف "باتفاقية الطائف" والتي بواسطتها توقفت الحرب الأهلية اللبنانية بعد مُرور ١٥ عامًا عليها، وفي مارس ٢٠١٢ دفع سعود الفيصل باتجاه تسليح المعارضة السورية معتبرا أن الواجب يقضي بدعمهم من أجل الدفاع عن أنفسهم ضد العُنف الدموي اليومي الذي تُمارسه القوّات السورية المسلحة، كما أنه كان يشجع العراقيين على الدفاع عن سيادة بلدهم. من جانب آخر نجد أنه تحادَث مع ١٣ شخصًا تناوبوا على منصب وزير الخارجية الأمريكية، وهو الأمر ليس بالسهل، لكن حِنكة الأمير وبراعته –رحمه الله – غلبت على كل شيء، فجميع حكام وزعماء العالم من عربٍ وأجانب قد اتفقوا على تفرّد شخصيته ودهائه وذكائه.
القضية الفلسطينية
في رَد له على مراسل صحيفة نيويورك تايمز عندما سأله عن لحظات السعادة في حياته السياسية، قال: "لم نرَ بعد لحظات للسعادة والسرور في زماننا، لم نرَ إلا لحظات الأزمات والصراع، وكيف يُمكن لنا أن نشعر بالفرح والسرور والشعب الفلسطيني لا يزال يُعاني ويعيش تحت الاحتلال والمهاجر" وكان ذلك عام ٢٠٠٩م والذي تزامن مع الحرب على غزّة. فقد كان –رحمه الله- يضع القضية الفلسطينية في مُقدمة اهتماماته.
"سعود الفيصل أدهى من قابلت في حياتي"
اللقب الذي أطلقه الرئيس العراقي السابق صدّام حسين حينما سُئل عن الرجل الذي يَخشاه فابتسم قائلا: "سعود الفيصل أدهى من قابلت في حياتي؛ فحينما كنت في حَرب إيران جعل العالم معي، وبعد أن دخلت الكويت قلَب العالم ضدي، وكل ذلك يكون في مؤتمر صحفي واحد" من جانبه قال ميخائيل غورباتشوف آخر رؤساء الاتحاد السوفيتي: "لو كان لدي رجلٌ كسعود الفيصل؛ ما تفكك الاتحاد السوفيتي وانتهى، أما الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما فيقول: " الأمير سعود الفيصل كان دبلوماسياً ملتزمًا بارعًا، وقد شهد خلال عمله وزيرًا للخارجية بعضًا من أكثر الفترات تحديًا في المنطقة، وكان هدفه السلام، وهو ممن فاوض على إنهاء الحرب الأهلية في لبنان، وساعد على إطلاق مبادرة السلام العربية، وقد استفادت أجيال من القادة والدبلوماسيين الأمريكيين من مهارة واتزان ورؤية وكاريزما الأمير سعود الفيصل ومهارته الدبلوماسية، وكان ملتزمًا بأهمية العلاقة بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، والسعي لتحقيق الاستقرار والأمن في منطقة الشرق الأوسط وخارجها، وسوف يكون إرثه باقياً في جميع أنحاء العالم".
يُذكر أن سعود الفيصل كان يتحدث سبع لُغات إلى جانب العربية، وهي الإنجليزية، الفرنسية، الإيطالية، الإسبانية، الألمانية، والعِبرية، وذهل الكثيرون بمعرفته باللغة العبرية وذلك في الاجتماع الذي ضم طرفاً يهوديًا وكان أول اجتماع، حيث طلب من المنظّمين للاجتماع تجهيز مدخَلين منفصلين بحيث ﻻ يلتقيا إﻻ جلوسًا عند الطاولة، حتى صرح وقتها قائلًا: "بأننا لم نأتي للتهريج وتضييع الوقت" وذلك ردًا على السؤال عن إمكانية وجود مصافحة لليهود أو لقاء خاص، كما قيل أيضًا ردًا على سبب رفضه لمُصافحة الوَفد اليهودي، ولما همّ بقية الحضور باستماع ما يقوله الوزير الإسرائيلي لم يحمل سعود الفيصل سماعة الاذن مبديًا عدم اهتمامه لما يقوله.